فصل: (بَابُ الْمُسَاقَاةِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.فَصْلٌ: [الْعَامِلُ أَمِينٌ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ]:

(وَالْعَامِلُ أَمِينٌ) فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِيهِ بِإِذْنِ مَالِكِهِ، عَلَى وَجْهٍ لَا يَخْتَصُّ بِنَفْعِهِ، فَكَانَ أَمِينًا كَالْوَكِيلِ، وَفَارَقَ الْمُسْتَعِيرَ، فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِنَفْعِ الْعَيْنِ الْمُعَارَةِ (يُصَدَّقُ عَامِلٌ بِيَمِينِهِ فِي قَدْرِ رَأْسِ مَالِهِ)، إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ رِبْحٌ مُتَنَازَعٌ فِيهِ وَلَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ يَدَّعِي عَلَيْهِ قَبْضَ شَيْءٍ وَهُوَ يُنْكِرُهُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ. وَيُصَدَّقُ عَامِلٌ بِيَمِينِهِ فِي قَدْرِ (رِبْحٍ وَعَدَمِهِ)- أَيْ: الرِّبْحِ- (وَ) فِي (هَلَاكٍ وَخُسْرَانٍ)، إنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ؛ لِأَنَّ تَأْمِينَهُ يَقْتَضِي ذَلِكَ. وَإِنْ ادَّعَى الْهَلَاكَ بِأَمْرٍ ظَاهِرٍ؛ كُلِّفَ بَيِّنَةً تَشْهَدُ بِهِ، ثُمَّ حَلَفَ أَنَّهُ تَلِفَ بِهِ.
(وَ) يُصَدَّقُ عَامِلٌ بِيَمِينِهِ (فِيمَا يَذْكُرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لَهَا)- أَيْ: الْمُضَارَبَةِ- (وَلَوْ فِي) شَرِكَةِ (عَنَانٍ، وَ) شَرِكَةِ (وُجُوهٍ)، وَكَذَا فِي مُفَاوَضَةٍ، وَفِي شَرِكَةِ أَبْدَانٍ، إذَا ذَكَرَ أَنَّهُ تَقَبَّلَ الْعَمَلَ لِنَفْسِهِ دُونَ الشَّرِكَةِ، لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَالِاخْتِلَافُ هُنَا فِي نِيَّةِ الْمُشْتَرِي، وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا نَوَاهُ، لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ سِوَاهُ، أَشْبَهَ الْوَكِيلَ وَوَلِيَّ الْيَتِيمِ وَنَحْوَهُ.
(وَ) يُصَدَّقُ عَامِلٌ بِيَمِينِهِ فِي نَفْيِ (مَا يُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ خِيَانَةٍ) أَوْ جِنَايَةٍ (أَوْ تَفْرِيطٍ)، أَوْ مُخَالَفَتِهِ شَيْئًا مِمَّا شَرَطَهُ رَبُّ الْمَالِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ. وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ يَدْفَعُ إلَى رَبِّ الْمَالِ فِي كُلِّ وَقْتٍ شَيْئًا مَعْلُومًا، ثُمَّ طَلَبَ رَأْسَ مَالِهِ، فَقَالَ الْمُضَارِبُ: كُلُّ مَا دَفَعْت إلَيْكَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَلَمْ أَكُنْ أَرْبَحُ شَيْئًا؛ فَقَوْلُ الْمُضَارِبِ فِي ذَلِكَ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا. وَإِذَا شَرَطَ الْعَامِلُ النَّفَقَةَ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ فَلَهُ ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ بِيَدِهِ أَوْ رَجَعَ إلَى رَبِّهِ، كَالْوَصِيِّ ادَّعَى النَّفَقَةَ عَلَى الْيَتِيمِ. وَيُقْبَلُ قَوْلُ عَامِلٍ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَمْ يَنْهَهُ عَنْ الْبَيْعِ نَسَاءً أَوْ عَنْ الشِّرَاءِ بِكَذَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ. وَإِذَا اشْتَرَى الْعَامِلُ شَيْئًا، وَقَالَ الْمَالِكُ: كُنْتُ نَهَيْتُكَ عَنْهُ، فَأَنْكَرَ الْعَامِلُ النَّهْيَ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ. (وَلَهُ) أَيْ: الْعَامِلِ- (طَلَبُ نَحْوِ غَاصِبٍ)، كَمُنْتَهِبٍ وَمُخْتَلِسٍ مِنْ الْمُضَارَبَةِ، (وَمُخَاصَمَةٌ)- أَيْ: الْغَاصِبِ وَنَحْوِهِ- (فَإِنْ تَرَكَهُ)؛ أَيْ: تَرَكَ الْعَامِلُ الطَّلَبَ بِهِ وَالْخُصُومَةَ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ ذَلِكَ؛ (ضَمِنَ) مَا فَاتَ بِتَرْكِهِ مِنْ مَغْصُوبٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ ضَيَّعَهُ وَفَرَّطَ فِيهِ. هَذَا (إنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّهُ)- أَيْ الْمَالِ- (حَاضِرًا، قَالَهُ فِي الْمُغْنِي ). وَإِنْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ حَاضِرًا، وَعَلِمَ الْحَالَ؛ لَمْ يَلْزَمْ الْعَامِلَ طَلَبُهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ إذَنْ تَرْكُهُ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ وَكِيلِهِ. انْتَهَى كَلَامُ الْمُغْنِي. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا)؛ أَيْ: كَالْمُضَارِبِ فِي الطَّلَبِ وَتَرْكِهِ، (كُلُّ أَمِينٍ)، كَوَكِيلٍ وَوَدِيعٍ وَوَصِيٍّ تَرَكَ الطَّلَبَ وَالْمُخَاصَمَةَ مَعَ تَمَكُّنِهِ؛ يَضْمَنُ مَا فَاتَ بِتَرْكِهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَوْ أَقَرَّ) عَامِلٌ (بِرِبْحٍ، ثُمَّ ادَّعَى تَلَفًا أَوْ) ادَّعَى (خَسَارَةً)، بِأَنْ قَالَ: تَلِفَ الرِّبْحُ، أَوْ قَالَ: حَصَلَتْ خَسَارَةٌ بَعْدَ الرِّبْحِ؛ قُبِلَ قَوْلُهُ. لِأَنَّهُ أَمِينٌ يُقْبَلُ قَوْلُهُ كَالْوَكِيلِ الْمُتَبَرِّعِ. وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنْ ادَّعَى (غَلَطًا أَوْ كَذِبًا أَوْ نِسْيَانًا، أَوْ) ادَّعَى (اقْتِرَاضًا تَمَّمَ بِهِ رَأْسَ الْمَالِ، بَعْدَ إقْرَارِهِ)- أَيْ الْعَامِلِ بِهِ-؛ أَيْ: بِرَأْسِ الْمَالِ؛ كَمَا لَوْ أَعْطَى إنْسَانٌ إنْسَانًا أَلْفًا مُضَارَبَةً، ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ (لِرَبِّهِ): رَأْسُ الْمَالِ بَاقٍ بِيَدِي وَهَا هُوَ، فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ: قَدْ فَسَخْت الْمُضَارَبَةَ، وَأَخَذَ مِنْهُ الْأَلْفَ، فَقَالَ الْعَامِلُ: إنَّ الْمَالَ كَانَ قَدْ خَسِرَ مِائَةً، وَخَشِيتُ أَنَّكَ إنْ وَجَدْتَهُ نَاقِصًا أَخَذْتُهُ مِنِّي، فَاقْتَرَضْت مِنْ فُلَانٍ مِائَةً تَمَّمْت بِهَا رَأْسَ الْمَالِ لِأَعْرِضَهُ عَلَيْك؛ فَإِنَّ قَوْلَ الْعَامِلِ لَا يُقْبَلُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ إقْرَارِهِ بِحَقٍّ.
قَالَ فِي الْمُغْنِي: (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُقْرِضِ) لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ نَفْعًا، وَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ مَلَكَهُ بِالْقَرْضِ، ثُمَّ سَلَّمَهُ إلَى رَبِّ الْمَالِ. وَلَكِنْ يَرْجِعُ الْمُقْرِضُ عَلَى الْعَامِلِ لَا غَيْرُ. انْتَهَى.
وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: تَحْرِيرُ الْجَوَابِ عِنْدِي أَنَّهُ إنْ كَانَ نَقْصًا؛ يَضْمَنُهُ الْمُضَارِبُ؛ بِأَنْ تَعَدَّى، أَوْ فَرَّطَ، فَلَا رُجُوعَ عَلَى الْمَالِكِ بِحَالٍ، لَا لِلْمُقْرِضِ وَلَا لِلْعَامِلِ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ اقْتَرَضَ شَيْئًا فَمَلَكَهُ بِالْقَرْضِ، ثُمَّ قَضَى بِهِ دَيْنًا عَلَيْهِ. وَأَمَّا إنْ كَانَ النَّقْصُ غَيْرَ مَضْمُونٍ فِي الْبَاطِنِ؛ فَلَا رُجُوعَ لِلْمُقْرِضِ عَلَى الْمَالِكِ لِمَا سَبَقَ، وَلَكِنْ يَرْجِعُ الْمُضَارِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ إنْ عَلِمَ بَاطِنَ الْأَمْرِ بِتَصْدِيقِ الْمَالِكِ، أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ إنْ أَمْكَنَ. انْتَهَى.
(وَيُقْبَلُ قَوْلُ مَالِكٍ فِي عَدَمِ) رَدِّهِ؛ أَيْ: مَالَ الْمُضَارَبَةِ؛ إنْ ادَّعَى عَامِلٌ رَدَّهُ إلَيْهِ، وَأَنْكَرَ وَلَا بَيِّنَةَ؛ نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِنَفْعٍ لَهُ فِيهِ؛ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي رَدِّهِ، كَالْمُسْتَعِيرِ، وَلِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ مُنْكِرٌ، فَقُدِّمَ قَوْلُهُ.
(وَ) يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَالِكِ فِي (صِفَةِ خُرُوجِهِ)- أَيْ الْمَالِ- (عَنْ يَدِهِ مِنْ قَرْضٍ أَوْ قِرَاضٍ)، فَإِنْ قَالَ الْمَالِكُ: أَعْطَيْتُكَ أَلْفًا قِرَاضًا عَلَى النِّصْفِ مِنْ رِبْحِهِ، وَقَالَ الْعَامِلُ: بَلْ قَرْضًا لَيْسَ لَك شَيْءٌ مِنْ رِبْحِهِ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مِلْكِهِ عَلَيْهِ. فَإِذَا حَلَفَا؛ قُسِّمَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا. وَإِنْ خَسِرَ الْمَالَ أَوْ تَلِفَ، فَقَالَ رَبُّهُ: كَانَ قَرْضًا، وَقَالَ الْعَامِلُ: كَانَ قِرَاضًا أَوْ بِضَاعَةً؛ فَقَوْلُ رَبِّهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْقَابِضِ لِمَالِ غَيْرِهِ الضَّمَانُ. (فَلَوْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ، قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ عَامِلٍ) لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ؛ لِأَنَّهَا نَاقِلَةٌ عَنْ الْأَصْلِ، وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ. وَإِنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ: كَانَ بِضَاعَةً، وَقَالَ الْعَامِلُ: كَانَ قَرْضًا، حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى إنْكَارِ مَا ادَّعَاهُ خَصْمُهُ، وَكَانَ لَهُ أَجْرُ عَمَلِهِ، (وَلَا تَعَارُضَ) بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ (خِلَافًا لَهُ)- أَيْ لِلْإِقْنَاعِ- فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ، تَعَارَضَا وَقُسِّمَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. وَيُقْبَلُ قَوْلُ مَالِكٍ (فِي قَدْرِ مَا شَرَطَ لِعَامِلٍ)، فَإِذَا قَالَ الْعَامِلُ: شَرَطْت لِي النِّصْفَ، وَقَالَ الْمَالِكُ: بَلْ الثُّلُثَ مَثَلًا، فَقَوْلُ مَالِكٍ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَسِنْدِيٍّ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ السُّدُسَ الزَّائِدَ، وَاشْتِرَاطَهُ لَهُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ. (وَيَتَّجِهُ) فِي رِوَايَةٍ (وَتُقَدَّمُ حُجَّةُ)- أَيْ دَعْوَى- (عَامِلٍ).
قَالَ فِي الْمُغْنِي بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ الرِّوَايَةَ الْأُولَى: إذَا ادَّعَى الْعَامِلُ أَنَّهُ شَرَطَ لَهُ أَجْرَ الْمِثْلِ وَزِيَادَةً يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهَا؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ. وَإِنْ ادَّعَى أَكْثَرَ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيمَا وَافَقَ أَجْرَ الْمِثْلِ. انْتَهَى.
(وَإِنْ قَالَ رَبُّ مَالٍ: كَانَ بِضَاعَةً) فَرِبْحُهُ لِي،
(وَقَالَ عَامِلٌ): كَانَ (نَقْدًا) فَرِبْحُهُ لَنَا، وَلَا بَيِّنَةَ؛ (فَقَوْلُهُ)- أَيْ الْعَامِلِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُضَارَبَةِ أَنْ تَكُونَ فِي النَّقْدِ.
(وَ) إنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ لِلْعَامِلِ: (أَخَذْته بِضَاعَةً مُضَارَبَةً) فَرِبْحُهُ لِي، (فَقَالَ عَامِلٌ): بَلْ أَخَذْته (قَرْضًا) فَرِبْحُهُ لِي؛ (حَلَفَ كُلُّ) وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى إنْكَارِ مَا ادَّعَاهُ خَصْمُهُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُنْكِرٌ لِمَا ادَّعَاهُ خَصْمُهُ عَلَيْهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ، (وَ) كَانَ (لِلْعَامِلِ أَجْرُ عَمَلِهِ) فَقَطْ، وَالْبَاقِي لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ نَمَاءَ مَالِهِ تَابِعٌ لَهُ. (وَإِنْ دَفَعَ) شَخْصٌ (لِرَجُلَيْنِ) أَوْ غَيْرِهِمَا (مَالًا قِرَاضًا عَلَى النِّصْفِ) لَهُ وَالنِّصْفُ لَهُمَا، فَنَضَّ الْمَالُ وَ(صَارَ ثَلَاثَةَ آلَافٍ، فَقَالَ رَبُّهُ)- أَيْ الْمَالِ- (رَأْسُهُ أَلْفَانِ، وَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا)- أَيْ الْعَامِلَيْنِ-
(وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ) هُوَ (أَلْفٌ، فَقَوْلُهُ)- أَيْ الْمُنْكِرِ- (بِيَمِينِهِ)، فَإِذَا حَلَفَ أَنَّهُ أَلْفٌ (وَالرِّبْحُ أَلْفَانِ؛ فَلَهُ)- أَيْ الْمُنْكِرِ الْحَالِفِ- مِنْ الْأَلْفَيْنِ (خَمْسُمِائَةٍ، يَبْقَى أَلْفَانِ) وَخَمْسُمِائَةٍ مِنْهَا، (لِرَبِّ الْمَالِ) أَلْفَانِ يَأْخُذُهَا لِأَنَّ الْآخَرَ يُصَدِّقُهُ، (وَ) يَبْقَى (خَمْسُمِائَةٍ) هِيَ (رِبْحٌ، لِرَبِّ الْمَالِ ثُلُثَاهُ، وَلِلْعَامِلِ ثُلُثُهُ)- أَيْ الرِّبْحِ- لِأَنَّ نَصِيبَ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ نِصْفُهُ، وَنَصِيبَ هَذَا الْعَامِلِ رُبْعُهُ، فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا بَاقِي الرِّبْحِ عَلَى ثَلَاثَةٍ. وَمَا أَخَذَهُ الْحَالِفُ فِيمَا زَادَ عَلَى قَدْرِ نَصِيبِهِ كَالتَّالِفِ مِنْهُمَا، وَالتَّالِفُ يُحْسَبُ فِي الْمُضَارَبَةِ مِنْ الرِّبْحِ. (فُرُوعٌ: يَصِحُّ تَشْبِيهًا) بِشَرِكَةِ (الْمُضَارَبَةِ دَفْعُ عَبْدٍ أَوْ) دَفْعُ (دَابَّةٍ)، أَوْ آنِيَةٍ كَقِرْبَةٍ وَقِدْرٍ، وَآلَةٍ لِحِرَاثٍ، أَوْ نَوْرَجٍ، أَوْ مِنْجَلٍ (لِمَنْ يَعْمَلُ بِهِ)- أَيْ بِالْمَدْفُوعِ- (بِجُزْءٍ مِنْ أُجْرَتِهِ). نَقَلَ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَحْمَدَ، فِيمَنْ دَفَعَ عَبْدَهُ إلَى رَجُلٍ لِيَكْسِبَ عَلَيْهِ، وَيَكُونَ لَهُ ثُلُثُ ذَلِكَ أَوْ رُبْعُهُ؛ فَجَائِزٌ؛ وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد عَنْ أَحْمَدَ فِيمَنْ يُعْطِي فَرَسَهُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْغَنِيمَةِ: أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: إذَا كَانَ عَلَى النِّصْفِ وَالرُّبْعِ فَهُوَ جَائِزٌ (كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ، وَنَسْجِ غَزْلٍ، وَحَصَادِ زَرْعٍ، وَنَفْضِ زَيْتُونٍ، وَطَحْنِ حَبٍّ، وَرَضَاعِ قِنٍّ أَوْ بَهِيمَةٍ، وَاسْتِيفَاءِ مَالٍ، وَبِنَاءِ دَارٍ، وَنَجْرِ خَشَبٍ، بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مِنْهُ)؛ لِأَنَّهَا عَيْنٌ تُنَمَّى بِالْعَمَلِ عَلَيْهَا؛ فَصَحَّ الْعَقْدُ عَلَيْهَا بِبَعْضِ نَمَائِهَا؛ كَالشَّجَرِ فِي الْمُسَاقَاةِ وَالْأَرْضِ فِي الْمُزَارَعَةِ. وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ تَخْرِيجَهَا عَلَى الْمُضَارَبَةِ بِالْعُرُوضِ فَاسِدٌ؛ فَإِنَّ الْمُضَارَبَةَ إنَّمَا تَكُونُ فِي التِّجَارَةِ وَالتَّصَرُّفَ فِي رَقَبَةِ الْمَالِ، وَهَذَا بِخِلَافِهِ.
قَالَ فِي الْمُغْنِي وَإِنْ دَفَعَ ثَوْبَهُ إلَى خَيَّاطٍ لِيُفَصِّلَهُ قُمْصَانًا لَيَبِيعَهَا، وَلَهُ نِصْفُ رِبْحِهَا بِحَقِّ عَمَلِهِ جَازَ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ. وَإِنْ دَفَعَ غَزْلًا إلَى رَجُلٍ يَنْسِجُهُ ثَوْبًا بِثُلُثِ ثَمَنِهِ أَوْ رُبْعِهِ؛ جَازَ نَصَّ عَلَيْهِ، (فَإِنَّ جَعَلَ لَهُ مَعَهُ)- أَيْ الْجُزْءِ (دِرْهَمًا وَنَحْوَهُ) كَدِينَارٍ؛ (لَمْ يَصِحَّ) نَصًّا، سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ الرَّجُلِ يُعْطِي الثَّوْبَ بِالثُّلُثِ وَدِرْهَمٍ وَدِرْهَمَيْنِ، قَالَ: أَكْرَهُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا شَيْءٌ لَا يُعْرَفُ، وَالثُّلُثُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ نَرَاهُ جَائِزًا. (وَلَا بَأْسَ بِحَصْدِ زَرْعٍ، وَصَرْمِ نَخْلٍ بِسُدُسِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ) أَوْ نِصْفِهِ وَنَحْوِهِ؛ لِحَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى خَيْبَرَ عَلَى الشَّطْرِ» (قَالَ) (الْإِمَامُ أَحْمَدُ) فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا عَنْهُ فِي الْحَصَادِ (هُوَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْمُقَاطَعَةِ). وَلَا يُعَارِضُ مَا سَبَقَ حَدِيثُ الدَّارَقُطْنِيّ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَهَى عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ، وَعَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ»؛ لِحَمْلِهِ عَلَى قَفِيزٍ مِنْ الْمَطْحُونِ، فَلَا يُدْرَى الْبَاقِي بَعْدَهُ كَمْ هُوَ، فَتَكُونُ الْمَنْفَعَةُ مَجْهُولَةً. أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمُغْنِي. (وَيَصِحُّ بَيْعُ وَإِيجَارُ مَتَاعٍ، وَغَزْوٌ بِدَابَّةٍ بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ)- أَيْ الْمَتَاعِ- (أَوْ سَهْمِهَا)- أَيْ الدَّابَّةِ- كَالْهَجِينِ أَوْ سَهْمَيْهَا كَالْعَرَبِيَّةِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِيمَنْ أَعْطَى فَرَسَهُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْغَنِيمَةِ، وَمَا لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَيْهِ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ. وَلَوْ قَالَ مَالِكٌ: (أَجِّرْ عَبْدِي)، أَوْ بِعْهُ، (أَوْ) أَجِّرْ (دَابَّتِي)؛ أَوْ بِعْهَا، (وَالْأُجْرَةُ) أَوْ الثَّمَنُ (بَيْنَنَا)؛ لَا يَصِحُّ، وَالثَّمَنُ وَالْأُجْرَةُ لِلْمَالِكِ، وَأَمَّا الْعَاقِدُ (فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ).
(وَ) لَوْ قَالَ لِصَيَّادٍ: (صِدْ بِشَبَكَتِي وَالصَّيْدُ بَيْنَنَا)، فَفَعَلَ؛ (فَالصَّيْدُ) كُلُّهُ (لِصَائِدٍ، وَلِرَبِّهَا)- أَيْ الشَّبَكَةِ- (أَجْرُ مِثْلِهَا) عَلَى الصَّائِدِ (وَيَصِحُّ دَفْعُ دَابَّةٍ أَوْ نَحْلٍ) أَوْ دَجَاجٍ أَوْ حَمَامٍ، قَالَهُ فِي الْفَائِقِ (أَوْ قِنٍّ) أَوْ أَمَةٍ (لِمَنْ يَقُومُ بِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً)، كَسَنَةٍ أَوْ نَحْوِهَا، بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مَعْلُومٍ مِنْهُ؛ أَيْ: مِنْ الْمَدْفُوعِ، (وَالنَّمَاءُ) الْحَاصِلُ مِنْ الدَّابَّةِ أَوْ النَّحْلِ وَنَحْوِهِمَا (مِلْكٌ لَهُمَا)؛ أَيْ: الدَّافِعِ وَالْمَدْفُوعِ إلَيْهِ، عَلَى حَسَبِ مِلْكَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ نَمَاؤُهُ.
وَ(لَا) يَجُوزُ دَفْعُ دَابَّةٍ أَوْ نَحْلٍ وَنَحْوِهِمَا لِمَنْ يَقُومُ بِهِمَا مُدَّةً، وَلَوْ مَعْلُومَةً، (بِجُزْءٍ مِنْ نَمَاءٍ كَدَرٍّ وَنَسْلٍ وَصُوفٍ وَعَسَلٍ وَزَبَادٍ) وَمِسْكٍ؛ لِحُصُولِ نَمَائِهِ بِغَيْرِ عَمَلٍ، (وَلِعَامِلٍ أَجْرُ مِثْلِهِ)؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ. (وَعَنْهُ)- أَيْ الْإِمَامِ- (بَلَى)؛ أَيْ: لَهُ دَفْعُ دَابَّتِهِ أَوْ نَحْلِهِ لِمَنْ يَقُومُ بِهِ بِجُزْءٍ مِنْ نَمَائِهِ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ.

.فَصْلٌ وَالضَّرْبُ (الثَّالِثُ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ):

(وَهِيَ): أَنْ (يَشْتَرِكَا) بِلَا مَالٍ، (فِي رِبْحِ مَا يَشْتَرِيَانِ فِي ذِمَمِهِمَا بِجَاهِهِمَا)؛ أَيْ: وُجُوهِهِمَا، وَثِقَةِ التُّجَّارِ بِهِمَا، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا يُعَامَلَانِ فِيهَا بِوَجْهِهِمَا، وَالْجَاهُ وَالْوَجْهُ وَاحِدٌ، يُقَالُ: فُلَانٌ وَجِيهٌ، إذَا كَانَ ذَا جَاهٍ. وَهِيَ جَائِزَةٌ؛ لِاشْتِمَالِهِمَا عَلَى مَصْلَحَةٍ غَيْرِ مُضِرَّةٍ، وَلِأَنَّ مَعْنَاهَا وَكَالَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْكَفَالَةِ بِالثَّمَنِ، وَكُلُّ ذَلِكَ صَحِيحٌ (عَلَى حَسَبِ مَا يَتَّفِقَانِ)؛ كَأَنْ يَتَّفِقَا عَلَى أَنْ يَكُونَ رِبْحُ مَا يَشْتَرِيَانِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ أَوْ أَثْلَاثًا أَوْ أَرْبَاعًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. (وَلَا يُشْتَرَطُ) لِصِحَّتِهَا (ذِكْرُ جِنْسِ) مَا يَشْتَرِيَانِهِ، (وَلَا) ذِكْرُ (قَدْرٍ، وَلَا) ذِكْرُ (وَقْتٍ)؛ أَيْ: مُدَّةِ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الْوَكَالَةِ الْمُفْرَدَةِ أَمَّا الْوَكَالَةُ الدَّاخِلَةُ فِي ضِمْنِ الشَّرِكَةِ؛ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا ذَلِكَ، بِدَلِيلِ الْمُضَارَبَةِ وَشَرِكَةِ الْعَنَانِ، فَإِنَّ فِي ضِمْنِهَا تَوْكِيلًا، وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ هَذَا. (فَلَوْ قَالَ كُلٌّ) مِنْهُمَا (لِصَاحِبِهِ: مَا اشْتَرَيْتَ مِنْ شَيْءٍ فَبَيْنَنَا)، وَقَالَ لَهُ الْآخَرُ: كَذَلِكَ؛ (صَحَّ) الْعَقْدُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَمَا رَبِحَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا، عَلَى مَا شَرَطَا كَشَرِكَةِ الْعَنَانِ وَغَيْرِهَا. (وَكُلٌّ) مِنْهُمَا (وَكِيلُ الْآخَرِ) فِي بَيْعٍ وَشِرَاءٍ، (وَكَفِيلُهُ بِالثَّمَنِ)؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الْوَكَالَةِ وَالْكَفَالَةِ. (وَرَأْسُ مَالٍ) كَمَا شَرَطَا، وَكَذَا مِلْكٌ فِيمَا يَشْتَرِيَانِهِ بِجَاهِهِمَا بَيْنَهُمَا كَمَا شَرَطَا عِنْدَ الْعَقْدِ، لِحَدِيثِ «الْمُؤْمِنُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ»، وَلِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْوَكَالَةِ، فَتَتَقَيَّدُ بِمَا وَقَعَ الْإِذْنُ وَالْقَبُولُ فِيهِ. (وَرِبْحٌ كَمَا شَرَطَا) مِنْ تَسَاوٍ وَتَفَاضُلٍ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا قَدْ يَكُونُ أَوْثَقَ عِنْدَ التُّجَّارِ، وَأَبْصَرَ بِالتِّجَارَةِ مِنْ الْآخَرِ، فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ زِيَادَةً فِي الرِّبْحِ فِي مُقَابَلَةِ زِيَادَةٍ أَوْ ثِقَةٍ، وَزِيَادَةِ إبْصَارِهِ بِالتِّجَارَةِ، وَلِأَنَّهَا مُنْعَقِدَةٌ عَلَى عَمَلٍ وَغَيْرِهِ، فَكَانَ رِبْحُهَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ كَشَرِكَةِ الْعَنَانِ. (وَالْوَضِيعَةُ)؛ أَيْ: الْخُسْرَانُ بِتَلَفٍ أَوْ بَيْعٍ بِنُقْصَانٍ عَمَّا اشْتَرَى بِهِ، (عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ) فِيمَا يَشْتَرِيَانِهِ، فَمَنْ لَهُ الثُّلُثَانِ فَعَلَيْهِ ثُلُثَا الْوَضِيعَةِ، وَمَنْ لَهُ الثُّلُثُ عَلَيْهِ ثُلُثُهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ لِتَلَفٍ أَوْ بَيْعٍ بِنُقْصَانٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْوَضِيعَةَ نَقْصُ رَأْسِ الْمَالِ، وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِمُلَّاكِهِ، فَيُوَزَّعُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ. (وَتَصَرُّفُهُمَا)؛ أَيْ: شَرِيكَيْ الْوُجُوهِ فِيمَا يَجُوزُ وَيَمْتَنِعُ وَيَجِبُ، وَشُرُوطٌ وَإِقْرَارٌ وَخُصُومَةٌ، كَتَصَرُّفِ (شَرِيكَيْ عَنَانٍ)، عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ.

.وَالضَّرْبُ (الرَّابِعُ: شَرِكَةُ الْأَبْدَانِ):

أَيْ: شَرِكَةٌ بِالْأَبْدَانِ، فَحُذِفَتْ الْبَاءُ ثُمَّ أُضِيفَتْ؛ لِأَنَّهُمْ بَذَلُوا أَبْدَانَهُمْ فِي الْأَعْمَالِ لِتَحْصِيلِ الْمَكَاسِبِ. (وَهِيَ) ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا (أَنْ يَشْتَرِكَا)؛ أَيْ: اثْنَانِ فَأَكْثَرَ (فِيمَا يَتَمَلَّكَانِ بِأَبْدَانِهِمَا مِنْ مُبَاحٍ، كَاحْتِشَاشٍ وَاصْطِيَادٍ وَتَلَصُّصٍ عَلَى دَارِ حَرْبٍ وَسَلَبِ) مَنْ يَقْتُلَانِهِ بِدَارِ حَرْبٍ. وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى جَوَازِهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِكَ الْقَوْمُ بِأَبْدَانِهِمْ وَلَيْسَ لَهُمْ مَالٌ؛ مِثْلُ الصَّيَّادِينَ وَالْبَقَّالِينَ وَالْحَمَّالِينَ. «وَقَدْ أَشْرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ عَمَّارٍ وَسَعْدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ، فَجَاءَ سَعْدٌ بِأَسِيرَيْنِ، وَلَمْ يَجِيئَا بِشَيْءٍ» وَفَسَّرَ أَحْمَدُ صِفَةَ الشَّرِكَةِ فِي الْغَنِيمَةِ فَقَالَ: يَشْتَرِكَانِ فِيمَا يُصِيبَانِ مِنْ سَلَبِ الْمَقْتُولِ؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ يَخْتَصُّ بِهِ دُونَ الْغَانِمِينَ. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْأَثْرَمُ. فَإِنْ قِيلَ: فَالْمَغَانِمُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْغَانِمِينَ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، فَكَيْف يَصِحُّ اخْتِصَاصُ عَمَّارٍ وَسَعْدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ بِالشَّرِكَةِ فِيهَا، فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَغَنَائِمُهَا كَانَتْ لِمَنْ أَخَذَهَا قَبْلَ أَنْ يُشْرِكَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُمْ، وَلِهَذَا نُقِلَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ» فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْمُبَاحَاتِ، وَلِأَنَّ الْعَمَلَ أَحَدُ جِهَتَيْ الْمُضَارَبَةِ، فَصَحَّتْ الشَّرِكَةُ عَلَيْهِ كَالْمَالِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ (لِكُلٍّ) مِنْهُمَا (فَسْخُهَا)؛ أَيْ: شَرِكَةِ الْأَبْدَانِ، مَتَى شَاءَ، وَمَحِلُّ ذَلِكَ (مَا لَمْ يَظْهَرْ فَضْلُهُ)- أَيْ كَسْبُهُ- زِيَادَةً (عَلَى صَاحِبِهِ). فَإِنْ ظَهَرَ فَضْلُهُ عَلَى صَاحِبِهِ؛ فَلَا فَسْخَ إلَّا بِاتِّفَاقِهِمَا؛ لِلُحُوقِ الضَّرَرِ بِمَنْ لَمْ يَفْسَخْ وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) الضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَشْتَرِكَا (فِيمَا يَتَقَبَّلَانِ فِي ذِمَمِهِمَا مِنْ عَمَلٍ كَنَسْجٍ) وَحِدَادَةٍ (وَقِصَارَةٍ وَخِيَاطَةٍ) وَنَحْوِهَا. (وَصَحَّ) قَوْلُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ: (أَنَا أَتَقَبَّلُ وَأَنْتَ تَعْمَلُ)، وَالْأُجْرَةُ بَيْنَنَا، لِأَنَّ تَقَبُّلَ الْعَمَلِ يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُتَقَبِّلِ. وَيَسْتَحِقُّ بِهِ الرِّبْحَ كَعَمَلِ الْمُضَارِبِ، فَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْمُضَارِبِ. (وَيُطَالَبَانِ بِمَا يَتَقَبَّلُهُ أَحَدُهُمَا) مِنْ عَمَلٍ، وَيَصِيرُ فِي ضَمَانِهِمَا. (وَيَتَّجِهُ بَعْدَ تَقَبُّلِ أَحَدِهِمَا) عَمَلًا مُبَاحًا، أَوْ اسْتِئْجَارًا عَلَيْهِ، [(لَا فَسْخَ) لِلشَّرِيكِ (الْآخَرِ)؛ لِإِذْنِهِ فِيهِ؛ كَشِرَاءِ شَرِيكِ الْعَنَانِ مَا هُوَ مَأْذُونٌ فِيهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ]. (وَيَلْزَمُهُمَا عَمَلُهُ)؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الضَّمَانِ، فَكَأَنَّهَا تَضَمَّنَتْ ضَمَانَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ مَا يَلْزَمُهُ. (وَلِكُلِّ) وَاحِدٍ مِنْهُمَا (طَلَبُ أُجْرَةٍ) لِعَمَلٍ تَقَبَّلَهُ هُوَ أَوْ صَاحِبُهُ، وَلِلْمُسْتَأْجِرِ دَفْعُ الْأُجْرَةِ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، وَيَبْرَأُ مِنْهَا الدَّافِعُ بِالدَّفْعِ لِأَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَالْوَكِيلِ عَنْ الْآخَرِ. (وَتَلَفُهَا) أَيْ الْأُجْرَةِ (بِلَا تَفْرِيطٍ بِيَدِ أَحَدِهِمَا) مِنْ ضَمَانِهِمَا تَضْيِيعٌ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلٌ عَنْ الْآخَرِ فِي الْمُطَالَبَةِ وَالْقَبْضِ، وَمَا يَتْلَفُ مِنْ الْأَعْيَانِ وَالْأُجْرَةِ بِتَعَدِّي أَحَدِهِمَا أَوْ تَفْرِيطِهِ أَوْ تَحْتَ يَدِهِ عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَيْهِ؛ كَمَنْعٍ أَوْ جُحُودٍ؛ فَالتَّلَفُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ؛ لِانْفِرَادِهِ بِمَا يُوجِبُ الضَّمَانَ. (وَإِقْرَارُهُ)؛ أَيْ: إقْرَارُ أَحَدِهِمَا (بِمَا فِي يَدِهِ) مِنْ الْأَعْيَانِ يُقْبَلُ (عَلَيْهِمَا)؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَهُ، فَقُبِلَ إقْرَارُهُ بِمَا فِيهَا. وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ (بِمَا فِي يَدِ شَرِيكِهِ وَلَا بِدَيْنٍ عَلَيْهِ)؛ أَيْ: عَلَى شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ. (وَيَتَّجِهُ) لَا يُقْبَلُ إقْرَارُ أَحَدِهِمَا بِدَيْنٍ إنْ كَانَ (غَيْرَ مُتَعَلِّقٍ بِالشَّرِكَةِ)، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ. أَمَّا إذَا كَانَ مَأْذُونًا بِالِاسْتِدَانَةِ لِلشَّرِكَةِ وَأَقَرَّ أَنَّهُ اسْتَدَانَ لَهَا؛ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ أَصَالَةٌ عَنْ نَفْسِهِ وَوَكَالَةٌ عَنْ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ لَهُ فِي الِاسْتِدَانَةِ تَضَمَّنَ الْإِقْرَارَ بِمُتَعَلِّقَاتِهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ، (وَالْحَاصِلُ) مِنْ مُبَاحٍ تَمَلَّكَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا، أَوْ مِنْ أُجْرَةِ عَمَلٍ تَقَبَّلَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا؛ (كَمَا شُرِطَ) عِنْدَ الْعَقْدِ مِنْ مُسَاوَاةٍ أَوْ تَفَاضُلٍ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ يُسْتَحَقُّ بِهِ الرِّبْحُ، وَيَجُوزُ تَفَاضُلُهُمَا فِي الْعَمَلِ؛ فَجَازَ فِي الرِّبْحِ الْحَاصِلِ بِهِ. (وَمُوجَبُ الْعَقْدِ الْمُطْلَقِ فِي شَرِكَةٍ) بِأَنْوَاعِهَا، (وَفِي جِعَالَةٍ وَفِي إجَارَةٍ؛ التَّسَاوِي فِي عَمَلٍ وَأَجْرٍ)؛ إذْ لَا مُرَجِّحَ لِأَحَدِهِمَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْفَضْلَ عَلَى الْآخَرِ، (وَلِزَائِدِ عَمَلٍ) حَيْثُ (لَمْ يَتَبَرَّعْ بِزِيَادَةِ عَمَلِهِ طَلَبُهُ)- أَيْ شَرِيكِهِ- بِالزِّيَادَةِ؛ لِيَحْصُلَ التَّسَاوِي. (وَلَا يُشْتَرَطُ) لِصِحَّتِهَا (اتِّفَاقُ صَنْعَةِ) الشَّرِيكَيْنِ، فَلَوْ اشْتَرَكَ حَدَّادٌ وَنَجَّارٌ، أَوْ خَيَّاطٌ وَقَصَّارٌ، فِيمَا يَتَقَبَّلَانِ فِي ذِمَمِهِمَا مِنْ عَمَلٍ؛ صَحَّ؛ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي كَسْبٍ مُبَاحٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ اتَّفَقَتْ الصَّنَائِعُ، وَلِأَنَّ الصَّنَائِعَ الْمُتَّفِقَةَ قَدْ يَكُونُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَحْذَقَ فِيهَا مِنْ الْآخَرِ، فَرُبَّمَا يَتَقَبَّلُ أَحَدُهُمَا مَا لَا يُمْكِنُ الْآخَرَ عَمَلُهُ، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ صِحَّتَهَا، فَكَذَلِكَ إذَا اخْتَلَفَتْ الصِّنَاعَاتُ. (وَلَا) يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الشَّرِكَةِ (مَعْرِفَتُهَا)- أَيْ الصِّفَةِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَلَوْ اشْتَرَكَ شَخْصَانِ لَا يُحْسِنَانِ الْخِيَاطَةَ فِي تَقَبُّلِهَا، وَأَنْ يَدْفَعَا مَا تَقَبَّلَاهُ مِنْ ذَلِكَ لِمَنْ يُحْسِنُهَا، بِمَا يُوَافِقَانِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ، وَمَا فَضَلَ بَيْنَهُمَا؛ صَحَّ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ التَّقَبُّلَ يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُتَقَبِّلِ، وَيَسْتَحِقُّ بِهِ الرِّبْحَ (فَيَلْزَمُ غَيْرَ عَارِفٍ إقَامَةُ عَارِفٍ) لِلصَّنْعَةِ (مَقَامَهُ) فِي الْعَمَلِ، لِيَعْمَلَ مَا يَلْزَمُهُ لِلْمُسْتَأْجِرِ. (وَإِنْ مَرِضَ أَحَدُهُمَا)- أَيْ: الشَّرِيكَيْنِ- فَالْكَسْبُ بَيْنَهُمَا (أَوْ تَرَكَ الْعَمَلَ) مَعَ شَرِيكِهِ (لِعُذْرٍ أَوْ لَا) لِعُذْرٍ؛ بِأَنْ كَانَ حَاضِرًا صَحِيحًا، (فَالْكَسْبُ بَيْنَهُمَا) عَلَى مَا شَرَطَاهُ.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ هَانِئٍ، وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلَيْنِ يَشْتَرِكَانِ فِي عَمَلِ الْأَبْدَانِ، فَيَأْتِي أَحَدُهُمَا بِشَيْءٍ وَلَا يَأْتِي الْآخَرُ بِشَيْءٍ قَالَ: نَعَمْ هَذَا بِمَنْزِلَةِ حَدِيثِ عَمَّارٍ وَسَعْدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ.
قَالَ فِي الْمُغْنِي: يَعْنِي حَيْثُ اشْتَرَكُوا، فَجَاءَ سَعْدٌ بِأَسِيرَيْنِ، وَأَخْفَقَ الْآخَرَانِ، وَلِأَنَّ الْعَمَلَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِمَا، وَبِضَمَانِهِمَا لَهُ وَجَبَتْ الْأُجْرَةُ، فَتَكُونُ لَهُمَا، وَيَكُونُ الْعَامِلُ مِنْهُمَا عَوْنًا لِصَاحِبِهِ فِي حِصَّتِهِ، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ اسْتِحْقَاقَهُ، كَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيُقَصِّرَ ثَوْبًا فَاسْتَعَانَ بِآخَرَ. (وَيَلْزَمُ مِنْ عُذْرٍ) بِمَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ فِي تَرْكِ الْعَمَلِ مَعَ شَرِيكِهِ (بِطَلَبِ شَرِيكِهِ) الصَّحِيحِ، (أَنْ يُقِيمَ مَقَامَهُ) مَنْ يَعْمَلُ مَعَهُ، فَإِنْ طَلَبَ؛ لَزِمَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا دَخَلَا عَلَى أَنْ يَعْمَلَا، فَإِذَا تَعَذَّرَ عَمَلُ أَحَدِهِمَا بِنَفْسِهِ؛ لَزِمَهُ أَنْ يُقِيمَ مَقَامَهُ، تَوْفِيَةً لِمَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ؛ فَلِلْآخَرِ الْفَسْخُ. (وَيَصِحُّ) أَنْ يَشْتَرِكَا عَلَى أَنْ (يُحَمِّلَا دَابَّةً لَهُمَا مَا يَتَقَبَّلَانِهِ)، مِنْ حَمْلِ شَيْءٍ مَعْلُومٍ إلَى مَكَانٍ مَعْلُومٍ (فِي ذِمَّتَيْهِمَا، وَالْأُجْرَةُ) بَيْنَهُمَا (كَمَا شَرَطَا)؛ لِأَنَّ تَقَبُّلَهُمَا الْحَمْلَ أَثْبَتَ الضَّمَانَ فِي ذِمَّتَيْهِمَا، وَلَهُمَا أَنْ يَحْمِلَاهُ عَلَى أَيِّ ظَهْرٍ كَانَ، وَالشَّرِكَةُ تَنْعَقِدُ عَلَى الضَّمَانِ، كَشَرِكَةِ الْوُجُوهِ. (وَلَا) يَصِحُّ (أَنْ يَشْتَرِكَا فِي أُجْرَةِ عَيْنِ الدَّابَّتَيْنِ، أَوْ فِي أُجْرَةِ أَنْفُسِهِمَا إجَارَةٌ خَاصَّةً)؛ كَأَنْ يَقُولَ الْمُسْتَأْجِرُ: اسْتَأْجَرْتُ هَاتَيْنِ الدَّابَّتَيْنِ، أَوْ اسْتَأْجَرْتُكُمَا لِحَمْلِ هَذَا الْمَتَاعِ إلَى مَحِلِّ كَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ ضَمَانُ الْحَمْلِ فِي ذِمَّتَيْهِمَا، وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّ الْمُكْتَرِي مَنْفَعَةَ الْبَهِيمَةِ الَّتِي اسْتَأْجَرَهَا، أَوْ مَنْفَعَةَ الْمُؤَجَّرَ نَفْسِهِ، وَلِهَذَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمَأْجُورِ مِنْ بَهِيمَةٍ أَوْ إنْسَانٍ، فَلَمْ يَتَأَتَّ ضَمَانٌ؛ فَلَمْ تَصِحَّ الشَّرِكَةُ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَيْهِ، (وَلِكُلِّ) وَاحِدٍ مِنْهُمَا (أُجْرَةُ دَابَّتِهِ فِيمَا) إذَا أَجَّرَ عَيْنَ الدَّابَّتَيْنِ، (وَ) أُجْرَةُ (نَفْسِهِ) فِيمَا إذَا أَجَّرَا نَفْسَهُمَا؛ لِعَدَمِ صِحَّةِ الشَّرِكَةِ. فَإِنْ أَعَانَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فِي التَّحْمِيلِ؛ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ طَامِعًا فِي عِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ. (وَتَصِحُّ شَرِكَةُ اثْنَيْنِ لِأَحَدِهِمَا آلَةُ قِصَارَةٍ، وَلِآخَرَ بَيْتٌ، شَرِكَةَ) أَبْدَانٍ عَلَيْهِمَا، عَلَى أَنَّهُمَا (يَعْمَلَانِ)؛ أَيْ: يُقَصِّرَانِ مَا يَتَقَبَّلَانِ عَمَلَهُ عَلَى عَمَلِهِمَا، وَالْعَمَلُ يُسْتَحَقُّ بِهِ الرِّبْحُ فِي الشَّرِكَةِ، وَالْآلَةُ وَالْبَيْتُ لَا يُسْتَحَقُّ بِهِمَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ فِي الْعَمَلِ الْمُشْتَرَكِ، فَصَارَا كَالدَّابَّتَيْنِ اللَّتَيْنِ يَحْمِلَانِ عَلَيْهِمَا مَا يَتَقَبَّلَانِ حَمْلَهُ فِي ذِمَّتَيْهِمَا. فَإِنْ فَسَدَتْ الشَّرِكَةُ لِنَحْوِ جَهَالَةٍ؛ قُسِّمَ رِبْحُ الْحَاصِلِ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ أُجْرَةِ عَمَلِهِمَا، أَوْ عَلَى قَدْرِ أُجْرَةِ الدَّارِ وَالْآلَةِ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ قَدْ أُخِذَ فِي مُقَابَلَةِ تِلْكَ الْمَنَافِعِ، يَلْزَمُ تَوْزِيعُهُ عَلَيْهِمَا بِالْمُحَاصَّةِ، كَمَا لَوْ أَجَّرَهَا بِأَجْرٍ وَاحِدٍ. وَإِنْ كَانَتْ لِأَحَدِهِمَا آلَةٌ، وَلَيْسَ لِلْآخَرِ شَيْءٌ، أَوْ لِأَحَدِهِمَا بَيْتٌ، وَلَيْسَ لِلْآخَرِ شَيْءٌ، فَاتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَعْمَلَا بِالْآلَةِ أَوْ فِي الْبَيْتِ، وَالْأُجْرَةُ بَيْنَهُمَا صَحَّ؛ لِمَا ذَكَرْنَا. و(لَا) يَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِكَ (ثَلَاثَةٌ، لِوَاحِدٍ دَابَّةٌ، وَلِآخَرَ رَاوِيَةٌ، وَثَالِثٌ يَعْمَلُ) بِالرَّاوِيَةِ عَلَى الدَّابَّةِ، عَلَى أَنْ مَا رَزَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ بَيْنَهُمْ. (أَوْ أَرْبَعَةٌ، لِوَاحِدٍ دَابَّةٌ، وَلِآخَرَ رَحًى، وَلِثَالِثٍ دُكَّانٌ، وَرَابِعٌ يَعْمَلُ) الطَّحْنَ بِالدَّابَّةِ وَالرَّحَى فِي الدُّكَّانِ، وَمَا رَزَقَهُ اللَّهُ فَبَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُشَارَكَةً وَلَا مُضَارَبَةً؛ لِكَوْنِهِمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ مَالِهِمَا عُرُوضًا، وَلِأَنَّ مِنْ شُرُوطِهِمَا عَوْدَ رَأْسِ الْمَالِ تَسْلِيمًا، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الرِّبْحِ حَتَّى يُسْتَوْفَى رَأْسُ الْمَالِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إجَارَةً؛ لِافْتِقَارِهَا إلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، وَأَجْرٍ مَعْلُومٍ. (وَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مَا تَقَبَّلَهُ) مِنْ عَمَلٍ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَأْجَرُ لِحَمْلِ الْمَاءِ وَالطَّحْنِ، (وَعَلَيْهِ)- أَيْ: الْعَامِلِ- (أُجْرَةُ آلَةِ رُفْقَتِهِ)؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهَا بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُمْ، فَكَانَ لَهُمْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ؛ كَسَائِرِ الْإِجَارَاتِ الْفَاسِدَةِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. (وَقِيَاسُ نَصِّهِ)- أَيْ: الْإِمَامِ- فِي دَابَّةٍ يَدْفَعُهَا شَخْصٌ إلَى آخَرَ يَعْمَلُ عَلَيْهَا، وَمَا رَزَقَهُ اللَّهُ بَيْنَهُمَا؛ (صِحَّتُهَا)؛ أَيْ: مَسْأَلَةِ اشْتَرَاكِ الثَّلَاثَةِ، وَمِثْلُهَا اشْتِرَاكُ الْأَرْبَعَةِ، (وَاخْتَارَهُ)؛ أَيْ: الْقَوْلَ بِالصِّحَّةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، (جَمْعٌ) مِنْهُمْ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ، (وَصَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ )، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَهُوَ أَظْهَرُ. (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ مِنْ الْأَرْبَعَةِ مَا ذُكِرَ)، مِنْ الدَّابَّةِ وَالرَّحَى وَالدُّكَّانِ وَالْعَامِلِ (لِلطَّحْنِ)؛ أَيْ: لِطَحْنِ شَيْءٍ مَعْلُومٍ، وَأَيَّامٍ مَعْلُومَةٍ، (صَفْقَةً) وَاحِدَةً؛ (صَحَّ) الْعَقْدُ، (وَ) تَكُونُ (الْأُجْرَةُ) بَيْنَ الْأَرْبَعَةِ (بِقَدْرِ قِيمَةِ أَجْرِ الْمِثْلِ)؛ أَيْ: تُوَزَّعُ عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ أَجْرِ مِثْلِ الْأَعْيَانِ الْمُؤَجَّرَةِ؛ كَتَوْزِيعِ الْمَهْرِ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ أَرْبَعًا مِنْ النِّسَاءِ بِمَهْرٍ وَاحِدٍ، وَيَأْتِي. (وَإِنَّ تَقَبَّلُوهُ)- أَيْ الطَّحْنَ الْأَرْبَعَةُ- وَهُمْ صَاحِبُ الدَّابَّةِ، وَصَاحِبُ الرَّحَى، وَصَاحِبُ الدُّكَّانِ، وَالْعَامِلُ، (فِي ذِمَمِهِمْ)؛ بِأَنْ قَالَ لَهُمْ إنْسَانٌ: اسْتَأْجَرْتُكُمْ لِطَحْنِ هَذَا الْقَمْحِ بِمِائَةٍ؛ فَقَبِلُوا؛ (صَحَّ) الْعَقْدُ، (وَ) تَكُونُ (الْأُجْرَةُ) بَيْنَهُمْ (أَرْبَاعًا)؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُؤَجَّرٌ لِطَحْنِ رُبْعِهِ بِرُبْعِ الْأُجْرَةِ، (وَيَرْجِعُ كُلُّ) وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ (عَلَى رُفْقَتِهِ) الثَّلَاثَةِ؛ (لِتَفَاوُتِ) قَدْرِ (الْعَمَلِ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ أَجْرِ الْمِثْلِ)، عَلَى وَاحِدٍ بِالرُّبْعِ، فَلَوْ كَانَتْ أُجْرَةُ مِثْلِ الدَّابَّةِ أَرْبَعِينَ، وَالرَّحَى ثَلَاثِينَ، وَالدُّكَّانِ عِشْرِينَ، وَعَمَلِ الْعَامِلِ عَشَرَةً، فَإِنَّ رَبَّ الدَّابَّةِ يَرْجِعُ عَلَى الثَّلَاثَةِ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ أُجْرَتِهَا- وَهِيَ ثَلَاثُونَ؛- مَعَ رُبْعِ أُجْرَتِهَا الَّذِي لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى وَاحِدٍ- وَهُوَ عَشَرَةٌ- فَيَكْمُلُ لَهُ أَرْبَعُونَ؛ وَيَرْجِعُ رَبُّ الرَّحَى عَلَى الثَّلَاثَةِ بِاثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ وَنِصْفٍ، مَعَ مَا لَا يَرْجِعُ بِهِ- وَهُوَ سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ- فَيَكْمُلُ ثَلَاثُونَ. وَيَرْجِعُ رَبُّ الدُّكَّانِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ مَعَ مَا لَا يَرْجِعُ بِهِ- وَهُوَ خَمْسَةٌ- فَيَكْمُلُ لَهُ عِشْرُونَ، وَيَرْجِعُ الْعَامِلُ بِسَبْعَةٍ وَنِصْفٍ، مَعَ مَا لَا يَرْجِعُ بِهِ- وَهُوَ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ- فَيَكْمُلُ لَهُ عَشَرَةٌ، وَمَجْمُوعُ ذَلِكَ مِائَةُ دِرْهَمٍ؛ وَهِيَ الْقَدْرُ الَّذِي اُسْتُؤْجِرُوا بِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَرْجِعْ بِالرُّبْعِ الرَّابِعِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَدْ لَزِمَهُ رُبْعُ الطَّحْنِ بِمُقْتَضَى الْإِجَارَةِ، فَلَا يَرْجِعُ بِمَا لَزِمَهُ عَلَى أَحَدٍ. وَلَوْ تَوَلَّى أَحَدُهُمَا الْإِجَارَةَ لِنَفْسِهِ؛ كَانَتْ الْأُجْرَةُ كُلُّهَا لَهُ، وَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ رُفْقَتِهِ أُجْرَةُ مَا كَانَ مِنْ جِهَتِهِ.

.(فَرْعٌ): [شَرِكَةُ الدَّلَّالَيْنِ]:

(لَا تَصِحُّ شَرِكَةُ دَلَّالَيْنِ)، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ وَكَالَةٍ، وَهِيَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا تَصِحُّ؛ كَأَجِّرْ دَابَّتَكَ، وَالْأُجْرَةُ بَيْنَنَا. وَهَذَا فِي الدَّلَالَةِ الَّتِي فِيهَا عَقْدٌ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فَأَمَّا مُجَرَّدُ النِّدَاءِ وَالْعَرْضِ؛ أَيْ: عَرْضِ الْمَتَاعِ لِلْبَيْعِ، وَإِحْضَارِ الزُّبُونِ؛ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الِاشْتِرَاكِ فِيهِ. وَقَالَ: وَلَيْسَ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ الْمَنْعُ بِمُقْتَضَى مَذْهَبِهِ، فِي شَرِكَةِ الْأَبْدَانِ وَالْوُجُوهِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ مَسَائِلِ الْخِلَافِ، مِمَّا يَسُوعُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ. انْتَهَى؛ لِأَنَّ فِيهِ تَضْيِيقًا وَحَرَجًا، وَالِاخْتِلَافُ رَحْمَةٌ. (وَيَتَّجِهُ وَلَا) تَصِحُّ شَرِكَةُ (فُقَرَاءَ فِي صَدَقَةٍ)؛ لِفَقْدِ شَرْطِهَا، وَهُوَ الْوَكَالَةُ وَالضَّمَانُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (تَصِحُّ شَرِكَةُ شُهُودٍ)، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: لِلشَّاهِدِ أَنْ يُقِيمَ مَقَامَهُ، إنْ كَانَ عَلَى عَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ. وَقَالَ: وَلِلْحَاكِمِ إكْرَاهُهُمْ؛ لِأَنَّ لَهُ نَظَرًا فِي الْعَدَالَةِ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ أَيْضًا: إنْ اشْتَرَكُوا عَلَى مَا حَصَّلَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَيْنَهُمْ، بِحَيْثُ إذَا كَتَبَ أَحَدُهُمْ وَشَهِدَ شَارَكَهُ الْآخَرُ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ؛ فَهِيَ شَرِكَةُ الْأَبْدَانِ، تَجُوزُ حَيْثُ تَجُوزُ الْوَكَالَةُ، وَأَمَّا حَيْثُ لَا تَجُوزُ فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ كَشَرِكَةِ الدَّلَّالِينَ. انْتَهَى.
(وَيَتَّجِهُ لَا) تَصِحُّ شَرِكَةُ الشُّهُودِ، (لِأَنَّ الشَّرِكَةَ الشَّرْعِيَّةَ لَا تَخْرُجُ عَنْ الْوَكَالَةِ)، وَلَا وَكَالَةَ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَوْكِيلُ أَحَدِهِمَا عَلَى بَيْعِ مَالِ الْغَيْرِ، (وَالضَّمَانِ)، وَلَا ضَمَانَ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَا دَيْنَ بِذَلِكَ يَصِيرُ فِي ذِمَّةِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، (وَقَدْ فُقِدَا)- أَيْ الْوَكَالَةُ وَالضَّمَانُ (هُنَا)- أَيْ فِي شَرِكَةِ الشُّهُودِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. لَكِنْ لَوْ تَقَبَّلَ اثْنَانِ فَأَكْثَرَ، مِنْ وَاحِدٍ فَأَكْثَرَ، كِتَابَةً كَحُجَجٍ أَوْ دَفَاتِرَ مَعْلُومَةٍ؛ صَحَّ؛ لِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ شَرِكَةِ النَّسْخِ، وَهِيَ شَرِكَةُ أَبْدَانٍ. (وَيَصِحُّ جَمْعٌ بَيْنَ شَرِكَةِ عَنَانٍ، وَأَبْدَانٍ، وَوُجُوهٍ، وَمُضَارَبَةٍ)؛ لِصِحَّةِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مُفْرَدَةً، فَصَحَّتْ مَعَ غَيْرِهَا، (وَهِيَ)؛ أَيْ: الْمُجَمَّعَةُ مِنْ شَرِكَةِ الْعَنَانِ وَالْأَبْدَانِ وَالْوُجُوهِ وَالْمُضَارَبَةِ، تُسَمَّى (شَرِكَةَ الْمُفَاوَضَةِ)، وَهَذَا هُوَ الضَّرْبُ الْخَامِسُ مِنْ أَضْرُبِ الشَّرِكَةِ.

.[شَرِكَةَ الْمُفَاوَضَةِ]:

(وَهِيَ) فِي اللُّغَةِ: الِاشْتِرَاكُ فِي شَيْءٍ؛ وَفِي الشَّرْعِ (قِسْمَانِ): أَحَدُهُمَا (صَحِيحٌ، وَهُوَ) نَوْعَانِ: الْأَوَّلُ (تَفْوِيضُ كُلٍّ) مِنْ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ (إلَى صَاحِبِهِ شِرَاءً أَوْ بَيْعًا فِي الذِّمَّةِ، وَمُضَارَبَةً، وَتَوْكِيلًا، وَمُسَافَرَةً بِالْمَالِ، وَارْتِهَانًا، وَضَمَانَ)؛ أَيْ: تَقَبُّلَ (مَا يَرَى مِنْ الْأَعْمَالِ)؛ كَخِيَاطَةٍ وَحِدَادَةٍ وَقِصَارَةٍ وَغَيْرِهَا، فَهَذِهِ شَرِكَةٌ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْرُجُ عَنْ شَرِكَةِ الْعَنَانِ وَالْوُجُوهِ وَالْأَبْدَانِ، وَجَمِيعُهَا مَنْصُوصٌ عَلَى صِحَّتِهَا، وَالرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَاهُ، وَالْوَضِيعَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَالِ.
قَالَ الْأَصْحَابُ: وَقَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ. وَالنَّوْعُ الثَّانِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (أَوْ يَشْتَرِكَانِ فِي كُلِّ مَا يَثْبُتُ لَهُمَا وَعَلَيْهِمَا، إنْ لَمْ يُدْخِلَا) فِي ذَلِكَ (كَسْبًا نَادِرًا)، أَوْ يُدْخِلَا فِيهَا (غَرَامَةً)، فَتَصِحَّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْرُجُ عَنْ أَضْرُبِ الشَّرِكَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ. (وَقِسْمٌ فَاسِدٌ وَهُوَ أَنْ يُدْخِلَا) فِي الشَّرِكَةِ (كَسْبًا نَادِرًا؛ كَوِجْدَانِ لُقَطَةٍ، أَوْ دُكَّانٍ. أَوْ) يُدْخِلَا فِيهَا (مَا يَحْصُلُ مِنْ مِيرَاثٍ، أَوْ) يُدْخِلَا فِيهَا (مَا يَلْزَمُ أَحَدَهُمَا مِنْ ضَمَانِ غَصْبٍ، أَوْ أَرْشِ جِنَايَةٍ وَعَارِيَّةٍ).
(وَ) لَزِمَ (مَهْرٌ) بِوَطْءٍ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِمِثْلِهِ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ كَثْرَةِ الْغَرَرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَلْزَمُ فِيهِ مَا لَا يَقْدِرُ الشَّرِيكُ عَلَيْهِ. (وَلِكُلٍّ) مِنْ الشَّرِيكَيْنِ فِي هَذَا الْقِسْمِ (مَا يَسْتَفِيدُهُ، وَلَهُ رِبْحُ مَالِهِ، وَلَهُ أُجْرَةُ عَمَلِهِ)، لَا يُشْرِكُ فِيهِ غَيْرَهُ؛ لِفَسَادِ الشَّرِكَةِ. (وَيَخْتَصُّ) كُلٌّ مِنْهُمَا (بِضَمَانِ مَا غَصَبَهُ أَوْ جَنَاهُ أَوْ ضَمِنَهُ عَنْ الْغَيْرِ)؛ لِأَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ، وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ.

.(بَابُ الْمُسَاقَاةِ):

الْمُسَاقَاةُ: مُفَاعَلَةٌ مِنْ السَّقْيِ؛ لِأَنَّهُ أَهَمُّ أَمْرِهَا بِالْحِجَازِ، وَكَانَتْ النَّخْلُ بِالْحِجَازِ تُسْقَى نَضْحًا- أَيْ مِنْ الْآبَارِ- فَعَظُمَ أَمْرُهُ، وَتَكْثُرُ مَشَقَّتُهُ وَهِيَ: (دَفْعُ أَرْضٍ وَشَجَرٍ مَغْرُوسٍ، مَعْلُومٍ) لِلْمَالِكِ وَالْعَامِلِ (بِرُؤْيَةٍ أَوْ صِفَةٍ) لَهُمَا. فَلَوْ سَاقَاهُ عَلَى بُسْتَانٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَلَا مَوْصُوفٍ مِنْهُمَا، أَوْ عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ الْحَائِطَيْنِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ يَخْتَلِفُ الْغَرَضُ فِيهَا بِاخْتِلَافِ الْأَعْيَانِ، فَلَمْ تَجُزْ عَلَى غَيْرِ مَعْلُومٍ، كَبَيْعِ مَا لَا تَنْضَبِطُ صِفَاتُهُ بِالْوَصْفِ. (بَعْلًا)، وَهُوَ الَّذِي يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ، أَوْ (سَقْيًا) وَهُوَ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى سَقْيٍ.
قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى الْمُعَامَلَةِ فِي ذَلِكَ، كَدِعَايَتِهَا إلَى الْمُعَامَلَةِ فِي غَيْرِهِ، فَيُقَاسُ عَلَيْهِ. وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْمُزَارَعَةِ. (لَهُ ثَمَرٌ مَأْكُولٌ لِمَنْ يَعْمَلُ عَلَيْهِ)- أَيْ عَلَى الشَّجَرِ وَيَقُومُ بِمَصْلَحَتِهِ، (بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مَعْلُومٍ، مِنْ ثَمَرِهِ النَّامِي) بِعَمَلِهِ الْمُتَكَرِّرِ كُلَّ عَامٍ؛ كَالنَّخْلِ وَالْكَرْمِ وَالرُّمَّانِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالزَّيْتُونِ؛ فَلَا تَصِحُّ عَلَى مَا يَتَكَرَّرُ حَمْلُهُ فِي عَامٍ وَاحِدٍ؛ كَالْقُطْنِ وَالْمَقَاثِي وَنَحْوِ ذَلِكَ.
قَالَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ وَغَيْرُهُ: لَا تَصِحُّ الْمُسَاقَاةُ عَلَى مَا لَا سَاقَ لَهُ. وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِهَا مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: «عَامَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَرْطِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ طَاوُسٍ: أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَكْرَى الْأَرْضَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، عَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبْعِ، فَهُوَ يُعْمَلُ بِهِ إلَى يَوْمِكَ هَذَا. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ: مَا بِالْمَدِينَةِ أَهْلُ بَيْتِ هِجْرَةٍ إلَّا يَزْرَعُونَ عَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبْعِ، وَالْمَعْنَى شَاهِدٌ بِذَلِكَ وَدَالٌّ عَلَيْهِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الشَّجَرِ يَعْجِزُونَ عَنْ عِمَارَتِهِ وَسَقْيِهِ. وَلَا يُمْكِنُهُمْ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ، وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ لَا شَجَرَ لَهُمْ، وَيَحْتَاجُونَ إلَى الثَّمَرِ، فَفِي تَجْوِيزِ الْمُسَاقَاةِ تَجْوِيزٌ لِلْحَاجَتَيْنِ، وَتَحْصِيلُ الْفِئَتَيْنِ؛ كَالْمُضَارَبَةِ بِالْأَثْمَانِ. وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ قَالَ: «كُنَّا نُخَابِرُ أَرْبَعِينَ سَنَةً حَتَّى حَدَّثَنَا رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْمُخَابَرَةِ». فَمَحْمُولٌ عَلَى رُجُوعِهِ عَنْ مُعَامَلَةٍ فَاسِدَةٍ؛ فَسَّرَهَا رَافِعٌ فِي حَدِيثِهِ. وَلَا يَجُوزُ حَمْلُ حَدِيثِ رَافِعٍ عَلَى مَا يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ؛ «لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَزَلْ يُعَامِلُ أَهْلَ خَيْبَرَ حَتَّى مَاتَ»، ثُمَّ عَمِلَ بِهِ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ، فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ نَهْيُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ ذَلِكَ؛ بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْهُ: قَالَ «كُنَّا نُكْرِي الْأَرْضَ بِالنَّاحِيَةِ مِنْهَا تُسَمَّى لِسَيِّدِ الْأَرْضِ فَرُبَّمَا يُصَابُ ذَلِكَ، وَتَسْلَمُ الْأَرْضُ وَرُبَّمَا تُصَابُ الْأَرْضُ، وَيَسْلَمُ ذَلِكَ، فَنَهَانَا»، فَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ فَلَمْ يَكُنْ يَوْمئِذٍ. وَرُوِيَ تَفْسِيرُهُ أَيْضًا بِشَيْءٍ غَيْرِ هَذَا مِنْ أَنْوَاعِ الْفَسَادِ، وَهُوَ مُضْطَرِبٌ أَيْضًا.
قَالَ الْإِمَامُ: رَافِعٌ يُرْوَى عَنْهُ فِي هَذَا ضُرُوبٌ كَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّ اخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ يُوهِنُ حَدِيثَهُ. وَقَالَ طَاوُسٌ: إنَّ أَعْلَمَهُمْ- يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ- أَخْبَرَنِي: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْهَهُ عَنْهُ، وَلَكِنْ قَالَ: لَأَنْ يَمْنَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ أَرْضًا خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهَا خَرَاجًا مَعْلُومًا». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ: وَلَا تَصِحُّ الْمُسَاقَاةُ عَلَى (شَجَرِهِ)- أَيْ شَجَرِ الَّذِي لَهُ ثَمَرٌ مَأْكُولٌ- بِجُزْءٍ مِنْ الشَّجَرِ أَوْ مِنْهُ وَمِنْ الثَّمَرِ، وَعَلَى مَا لَيْسَ لَهُ ثَمَرٌ، وَيَأْتِي، وَلَا إنْ جَعَلَ لِلْعَامِلِ كُلَّ الثَّمَرَةِ وَلَا جُزْءًا مُبْهَمًا كَسَهْمٍ وَنَصِيبٍ. وَلَا ثَمَرَةَ شَجَرَةٍ فَأَكْثَرَ مُعَيَّنَةٍ، وَعُمُومُ قَوْلِ الْمَتْنِ: لَهُ ثَمَرٌ، شَمِلَ مَا لَوْ كَانَ الثَّمَرُ مَوْجُودًا، لَكِنَّهُ لَمْ يَكْمُلْ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: يُعْمَلُ عَلَيْهِ إذَا كَمُلَ لَا يَحْتَاجُ إلَى عَمَلٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَعَلَى الْأَصَحِّ وَعَلَى ثَمَرٍ بَدَأَ وَلَمْ يَكْمُلْ بِجُزْءٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ إذَا جَازَتْ فِي الْمَعْدُومِ مَعَ كَثْرَةِ الْغَرَرِ فَمَعَ قِلَّتِهِ أَوْلَى. (وَإِذَا سَاقَاهُ)؛ أَيْ: سَاقَى الْمَالِكُ الْعَامِلَ (عَلَى وَدِيِّ نَخْلٍ)- أَيْ صِغَارِهِ- وَاحِدَتُهُ وَدِيَّةٌ، (وَصِغَارِ شَجَرٍ إلَى مُدَّةٍ يَحْمِلُ فِيهَا غَالِبًا؛ صَحَّ) الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّ عَمَلَ الْعَامِلِ يَكْثُرُ وَنَصِيبُهُ يَقِلُّ، وَهَذَا لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا؛ كَمَا لَوْ جَعَلَ جُزْءًا مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ.
فَائِدَةٌ:
إذَا غَرَسَ لَهُ الشَّجَرَ، ثُمَّ أَخَذَ فِي الْعَمَلِ، فَلَا يَسْتَحِقُّ بِهَذَا الْعَمَلِ الْأَوَّلِ ثَمَرَةً تَظْهَرُ، ثُمَّ إنْ اسْتَمَرَّ الْعَمَلُ اسْتَحَقَّ مَا يَظْهَرُ كُلَّ عَامٍ وَإِلَّا فَلَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ شَجَرُهُ لَا تَظْهَرُ ثَمَرَتُهُ إلَّا بَعْدَ سِنِينَ وَأَخَذَهُ مُسَاقَاةً؛ لَا يَسْتَحِقُّ بِعَمَلِهِ إلَّا ثَمَرَةَ أَوَّلِ عَامٍ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ، فَإِنْ دَخَلَ عَلَيْهِ غَرَرٌ أَوْ ضَرَرٌ فَهُوَ الَّذِي أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ فَسَخَ قَبْلَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ فَسَخَ رَبُّ الْمَالِ، فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ؛ بِخِلَافِ الْمُنَاصَبَةِ فَإِنَّهُ هُنَا يَسْتَحِقُّ ثَمَرَةَ كُلِّ سَنَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ إلَى أَنْ تَبِيدَ. (وَالْمُنَاصَبَةُ وَهِيَ الْمُغَارَسَةُ دَفْعُهُ)- أَيْ الشَّجَرِ الْمَعْلُومِ الَّذِي لَهُ ثَمَرٌ مَأْكُولٌ- (بِلَا غَرْسٍ) أَيْ غَيْرَ مَغْرُوسٍ- (مَعَ أَرْضٍ، وَلَوْ) كَانَ دَفْعُ الشَّجَرِ وَالْأَرْضِ (مِنْ نَاظِرِ وَقْفٍ لِمَنْ يَغْرِسُهُ) فِيهَا، (وَيَعْمَلُ عَلَيْهِ حَتَّى يُثْمِرَ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مَعْلُومٍ مِنْ شَجَرِهِ)- أَيْ مِنْ عَيْنِ الشَّجَرِ- فَلَا يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ بَعْدَهُ بَيْعُ نَصِيبِ الْوَقْفِ مِنْ الشَّجَرِ بِلَا حَاجَةٍ وَأَنَّ لِلْحَاكِمِ الْحُكْمَ بِلُزُومِهَا فِي مَحِلِّ النِّزَاعِ فَقَطْ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. انْتَهَى.
وَمُرَادُهُ بِالْحَاجَةِ مَا يَجُوزُ مَعَهُ بَيْعُ الْوَقْفِ، وَيَأْتِي أَوْ مَا لَمْ يَصِرْ الشَّجَرُ شَالِيًا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ، إلَّا حَطَبًا، (وَتَدْخُلُ ثَمَرَةٌ)- أَيْ ثَمَرَةُ الشَّجَرِ- (تَبَعًا) لَهُ، (أَوْ) بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مَعْلُومٍ (مِنْ ثَمَرَةٍ، أَوْ) بِجُزْءٍ (مِنْهُمَا)- أَيْ مِنْ الشَّجَرِ وَالثَّمَرِ- اخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد: إذَا قَالَ لِرَجُلٍ: اغْرِسْ فِي أَرْضِي هَذِهِ شَجَرًا أَوْ نَخْلًا، فَمَا كَانَ مِنْ غَلَّةٍ فَلَكَ بِعَمَلِكَ هَذَا، فَأَجَازَهُ، وَاحْتَجَّ فِي حَدِيثِ خَيْبَرَ، فَهَذَا نَصٌّ فِيمَا إذَا جَعَلَ لَهُ جُزْءًا مِنْ النَّمَاءِ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ نَصِّهِ وَبِجُزْءٍ مِنْهُ- أَيْ الشَّجَرِ- وَمِنْهُمَا كَالْمُزَارَعَةِ. انْتَهَى.
وَاشْتِرَاطُ كَوْنِ الْغَرْسِ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ مُعْتَبَرٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِنْ دَفَعَ أَرْضًا وَشَجَرًا لِمَنْ يَعْمَلُ عَلَيْهِ بِجُزْءٍ مِنْ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ؛ لَمْ يَصِحَّ.
قَالَ فِي الْمُغْنِي وَلَمْ نَعْلَمْ فِيهِ مُخَالِفًا؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ اشْتِرَاكَهُمَا فِي الْأَصْلِ فَفَسَدَ؛ كَمَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الشَّجَرَ بِلَا أَرْضٍ لِيَكُونَ الْأَصْلُ وَالثَّمَرَةُ بَيْنَهُمَا، أَوْ شَرَطَ فِي الْمُزَارَعَةِ كَوْنَ الْأَرْضِ وَالزَّرْعِ بَيْنَهُمَا. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ قَوِيٍّ وَكَذَا)- أَيْ مِثْلُ دَفْعِ الشَّجَرِ مَعَ الْأَرْضِ- (دَفْعُ نَوَى نَحْوِ ثَمَرٍ)؛ كَزَيْتُونٍ وَنَوَى (مِشْمِشٍ) مَعَ أَرْضٍ، وَيُعْمَلُ عَلَيْهِ إلَى أَنْ يَنْبُتَ وَيَصِيرَ نَصْبًا، ثُمَّ يَصِيرُ شَجَرًا بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ الشَّجَرِ أَوْ الثَّمَرِ أَوْ مِنْهُمَا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ.